كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



فإن هم فعلوا. فتركوا أهلهم ووطنهم ومصالحهم.. في دار الحرب.. وهاجروا إلى دار الإسلام، ليعيشوا بالنظام الإسلامي، المنبثق من العقيدة الإسلامية، القائم على الشريعة الإسلامية.. إن هم فعلوا هذا فهم أعضاء في المجتمع المسلم، مواطنون في الأمة المسلمة. وإن لم يفعلوا وأبوا الهجرة، فلا عبرة بكلمات تقال فتكذبها الأفعال:
{فإن تولوا فخذوهم (أي أسرى) واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً}.
وهذا الحكم- كما قلنا- هو الذي يرجح عندنا، أنهم لم يكونوا هم منافقي المدينة. إذ قد اتبعت مع منافقي المدينة سياسة أخرى.
إن الإسلام يتسامح مع أصحاب العقائد المخالفة له؛ فلا يكرههم أبداً على اعتناق عقيدته. ولهم- حتى وهم يعيشون في ظل نظامه ودولته- أن يجهروا بمعتقداتهم المخالفة للإسلام. في غير ما دعوة للمسلمين ولا طعن في الدين. فقد ورد في القرآن من استنكار مثل هذا الطعن من أهل الكتاب ما لا يدع مجالاً للشك في أن الإسلام لا يدع غير المعتنقين له ممن يعيشون في ظله يطعنون فيه ويموهون حقائقه ويلبسون الحق بالباطل كما تقول بعض الآراء المائعة في زماننا هذا! وحسب الإسلام أنه لا يكرههم على اعتناق عقيدته. وأنه يحافظ على حياتهم وأموالهم ودمائهم؛ وأنه يمتعهم بخير الوطن الإسلامي بلا تمييز بينهم وبين أهل الإسلام؛ وأنه يدعهم يتحاكمون إلى شريعتهم في غير ما يتعلق بمسائل النظام العام.
إن الإسلام يتسامح هذا التسامح مع مخالفيه جهاراً نهاراً في العقيدة.. ولكنه لا يتسامح هذا التسامح مع من يقولون الإسلام كلمة باللسان تكذبها الأفعال.
لا يتسامح مع من يقولون: إنهم يوحدون الله ويشهدون أن لا إله إلا الله. ثم يعترفون لغير الله بخاصية من خصائص الألوهية، كالحاكمية والتشريع للناس؛ فيصم أهل الكتاب بأنهم مشركون، لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم.. لا لأنهم عبدوهم. ولكن لأنهم أحلوا لهم الحلال، وحرموا عليهم الحرام فاتبعوهم!
ولا يتسامح هذا التسامح في وصف جماعة من المنافقين بأنهم مؤمنون. لأنهم شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. ثم بقوا في دار الكفر، يناصرون أعداء المسلمين!
ذلك أن التسامح هنا ليس تسامحاً. إنما هو تميع. والإسلام عقيدة التسامح. ولكنه ليس عقيدة التميع. إنه تصور جاد. ونظام جاد. والجد لا ينافي التسامح. ولكنه ينافي التميع.
وفي هذه اللفتات واللمسات من المنهج القرآني للجماعة المسلمة الأولى، بيان، وبلاغ..
ثم استثنى من هذا الحكم- حكم الأسر والقتل- لهذا الصنف من المنافقين، الذين يعينون أعداء المسلمين- من يلجأون إلى معسكر بينه وبين الجماعة الإسلامية عهد- عهد مهادنة أو عهد ذمة- ففي هذه الحالة يأخذون حكم المعسكر الذي يلتجئون، إليه ويتصلون به:
{إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق}..
ويبدو في هذا الحكم اختيار الإسلام للسلم، حيثما وجد مجالاً للسلم لا يتعارض مع منهجه الأساسي. من حرية الإبلاغ وحرية الاختيار؛ وعدم الوقوف في وجه الدعوة، بالقوة مع كفالة الأمن للمسلمين؛ وعدم تعريضهم للفتنة، أو تعريض الدعوة الإسلامية ذاتها للتجميد والخطر.
ومن ثم يجعل كل من يلجأ ويتصل ويعيش بين قوم معاهدين- عهد ذمة أو عهد هدنة- شأنه شأن القوم المعاهدين. يعامل معاملتهم، ويسالم مسالمتهم. وهي روح سلمية واضحة المعالم في مثل هذه الأحكام.
كذلك يستثني من الأسر والقتل جماعة أخرى. هي الأفراد أو القبائل أو المجموعات التي تريد أن تقف على الحياد، فيما بين قومهم وبين المسلمين من قتال. إذ تضيق صدورهم أن يقاتلوا المسلمين مع قومهم. كما تضيق صدورهم أن يقاتلوا قومهم مع المسلمين. فيكفوا أيديهم عن الفريقين بسبب هذا التحرج من المساس بهؤلاء أو هؤلاء:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم}..
وواضح كذلك في هذا الحكم الرغبة السلمية في اجتناب القتال؛ حيثما كف الآخرون عن التعرض للمسلمين ودعوتهم؛ واختاروا الحياد بينهم وبين المحاربين لهم. وهؤلاء الذين يتحرجون أن يحاربوا المسلمين أو يحاربوا قومهم.. كانوا موجودين في الجزيرة؛ وفي قريش نفسها؛ ولم يلزمهم الإسلام أن يكونوا معه أو عليه. فقد كان حسبه ألا يكونوا عليه.. كما أنه كان المرجو من أمرهم أن ينحازوا إلى الإسلام، حينما تزول الملابسات التي تحرجهم من الدخول فيه؛ كما وقع بالفعل.
ويحبب الله المسلمين في انتهاج هذه الخطة مع المحايدين المتحرجين. فيكشف لهم عن الفرض الثاني الممكن في الموقف! فلقد كان من الممكن- بدل أن يقفوا هكذا على الحياد متحرجين- أن يسلطهم الله على المسلمين فيقاتلوهم مع أعدائهم المحاربين! فأما وقد كفهم الله عنهم على هذا النحو، فالسلم أولى، وتركهم وشأنهم هو السبيل:
{ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً}..
وهكذا يلمس المنهج التربوي الحكيم نفوس المسلمين المتحمسين، الذين قد لا يرضون هذا الموقف من هذا الفريق. يلمسه بما في هذا الموقف من فضل الله وتدبيره؛ ومن كف لجانب من العداء والأذى كان سيضاعف العبء على عاتق المسلمين. ويعلمهم أن يأخذوا الخير الذي يعرض فلا يرفضوه، ويجتنبوا الشر الذي يأخذ طريقه بعيداً عنهم، فلا يناوشوه.. طالما أن ليس في هذا كله تفريط في شيء من دينهم، ولا تمييع لشيء من عقيدتهم؛ ولا رضى بالدنية في طلب السلم الرخيصة!
لقد نهاهم عن السلم الرخيصة. لأنه ليس الكف عن القتال بأي ثمن هو غاية الإسلام.. إنما غاية الإسلام: السلم التي لا تتحيف حقاً من حقوق الدعوة، ولا من حقوق المسلمين.. لا حقوق أشخاصهم وذواتهم؛ ولكن حقوق هذا المنهج الذي يحملونه ويسمون به مسلمين.
وإن من حق هذا المنهج أن تزال العقبات كلها من طريق إبلاغ دعوته وبيانه للناس في كل زاوية من زوايا الأرض. وأن يكون لكل من شاء- ممن بلغتهم الدعوة- أن يدخل فيه فلا يضار ولا يؤذى في كل زاوية من زوايا الأرض. وأن تكون هناك القوة التي يخشاها كل من يفكر في الوقوف في وجه الدعوة- في صورة من الصور- أو مضارة من يؤمن بها- أي لون من ألوان المضارة- وبعد ذلك فالسلم قاعدة. والجهاد ماض إلى يوم القيامة.
ولكن هناك طائفة أخرى، لا يتسامح معها الإسلام هذا التسامح. لأنها طائفة منافقة شريرة كالطائفة الأولى. وليست مرتبطة بميثاق ولا متصلة بقوم لهم ميثاق. فإلاسلام إزاءها إذن طليق. يأخذها بما أخذ به طائفة المنافقين الأولى:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}..
حكى ابن جرير عن مجاهد، أنها نزلت في قوم من أهل مكة، كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء؛ ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا، وهاهنا. فأمر بقتلهم- إن لم يعتزلوا ويصلحوا- ولهذا قال تعالى: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم (المهادنة والصلح) ويكفوا أيديهم (أي عن القتال) فخذوهم (أسراء) واقتلوهم حيث ثقفتموهم (أي حيث وجدتموهم) وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}.
وهكذا نرى صفحة من حسم الإسلام وجديته، إلى جانب سماحته وتغاضيه.. هذه في موضعها، وتلك في موضعها. وطبيعة الموقف، وحقيقة الواقعة، هي التي تحدد هذه وتلك..
ورؤية هاتين الصفحتين- على هذا النحو- كفيلة بأن تنشئ التوازن في شعور المسلم؛ كما تنشئ التوازن في النظام الإسلامي- السمة الأساسية الأصيلة- فأما حين يجيء المتشددون فيأخذون الأمر كله عنفاً وحماسة وشدة واندفاعاً فليس هذا هو الإسلام! وأما حين يجيء المتميعون المترققون المعتذرون عن الجهاد في الإسلام، كأن الإسلام في قفص الاتهام وهم يترافعون عن المتهم الفاتك الخطير! فيجعلون الأمر كله سماحة وسلماً وإغضاء وعفواً؛ ومجرد دفاع عن الوطن الإسلامي وعن جماعة المسلمين- وليس دفعاً عن حرية الدعوة وإبلاغها لكل زاوية في الأرض بلا عقبة. وليس تأميناً لأي فرد في كل زاوية من زوايا الأرض يريد أن يختار الإسلام عقيدة. وليس سيادة لنظام فاضل وقانون فاضل يأمن الناس كلهم في ظله، من اختار عقيدته ومن لم يخترها سواء.. فأما حينئذ فليس هذا هو الإسلام.
وفي هذه الطائفة من أحكام المعاملات الدولية بلاغ وبيان..
ذلك في علاقات المسلمين مع المعسكرات الأخرى. فأما في علاقات المسلمين بعضهم ببعض، مهما اختلفت الديار- وفي ذلك الوقت كما في كل وقت كان هناك مسلمون في شتى الديار- فلا قتل ولا قتال.. لا قتل إلا في حد أو قصاص.. فإنه لا يوجد سبب يبلغ من ضخامته أن يفوق ما بين المسلم والمسلم من وشيجة العقيدة. ومن ثم لا يقتل المسلم المسلم أبداً. وقد ربطت بينهما هذه الرابطة الوثيقة. اللهم إلا أن يكون ذلك خطأ.. وللقتل الخطأ توضع التشريعات والأحكام. فأما القتل العمد فلا كفارة له. لأنه وراء الحسبان! ووراء حدود الإسلام!
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً}.
{ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}..
وهذه الأحكام تتناول أربع حالات: ثلاث منها من حالات القتل الخطأ- وهو الأمر المحتمل وقوعه بين المسلمين في دار واحدة- دار الإسلام- أو في ديار مختلفة بين شتى الأقوام- والحالة الرابعة حالة القتل العمد. وهي التي يستبعد السياق القرآني وقوعها ابتداء.
فليس من شأنها أن تقع. إذ ليس في هذه الحياة الدنيا كلها ما يساوي دم مسلم يريقه مسلم عمداً. وليس في ملابسات هذه الحياة الدنيا كلها ما من شأنه أن يوهن من علاقة المسلم بالمسلم إلى حد أن يقتله عمداً. وهذه العلاقة التي أنشأها الإسلام بين المسلم والمسلم من المتانة والعمق والضخامة والغلاوة والإعزاز بحيث لا يفترض الإسلام أن تخدش هذا الخدش الخطير أبداً.. ومن ثم يبدأ حديثه عن أحكام القتل الخطأ:
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ}..
فهذا هو الاحتمال الوحيد في الحس الإسلامي.. وهو الاحتمال الحقيقي في الواقع.. فإن وجود مسلم إلى جوار مسلم مسألة كبيرة. كبيرة جداً. ونعمة عظيمة. عظيمة جداً. ومن العسير تصور أن يقدم مسلم على إزالة هذه النعمة عن نفسه؛ والإقدام على هذه الكبيرة عن عمد وقصد.. إن هذا العنصر.. المسلم.. عنصر عزيز في هذه الأرض.. وأشد الناس شعوراً بإعزاز هذا العنصر هو المسلم مثله.. فمن العسير أن يقدم على إعدامه بقتله.. وهذا أمر يعرفه أصحابه. يعرفونه في نفوسهم ومشاعرهم. وقد علمهم الله إياه بهذه العقيدة. وبهذه الوشيجة. وبهذه القرابة التي تجمعهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ترتقي فتجمعهم في الله سبحانه الذي ألف بين قلوبهم. ذلك التأليف الرباني العجيب.
فأما إذا وقع القتل خطأ فهناك تلك الحالات الثلاث، التي يبين السياق أحكامها هنا:
الحالة الأولى: أن يقع القتل على مؤمن أهله مؤمنون في دار الإسلام. ويجب في هذه الحالة تحرير رقبة مؤمنة، ودية تسلم إلى أهله.. فأما تحرير الرقبة المؤمنة، فهو تعويض للمجتمع المسلم عن قتل نفس مؤمنة باستحياء نفس مؤمنة. وكذلك هو تحرير الرقاب في حس الإسلام. وأما الدية فتسكين لثائرة النفوس، وشراء لخواطر المفجوعين، وتعويض لهم عن بعض ما فقدوا من نفع المقتول.. ومع هذا يلوح الإسلام لأهل القتيل بالعفو- إذا اطمأنت نفوسهم إليه- لأنه أقرب إلى جو التعاطف والتسامح في المجتمع المسلم.
{ومن يقتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدّقوا}..
والحالة الثانية: أن يقع القتل على مؤمن وأهله محاربون للإسلام في دار الحرب.. وفي هذه الحالة يجب تحرير رقبة مؤمنة لتعويض النفس المؤمنة التي قتلت، وفقدها الإسلام. ولكن لا يجوز أداء دية لقومه المحاربين، يستعينون بها على قتال المسلمين! ولا مكان هنا لاسترضاء أهل القتيل وكسب مودتهم، فهم محاربون، وهم عدو للمسلمين.
والحالة الثالثة: أن يقع القتل على مؤمن قومه معاهدون- عهد هدنة أو عهد ذمة- ولم ينص على كون المقتول مؤمناً في هذه الحالة. مما جعل بعض المفسرين والفقهاء يرى النص على إطلاقه. ويرى الحكم بتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله- المعاهدين- ولو لم يكن مؤمناً.
لأن عهدهم مع المؤمنين يجعل دماءهم مصونة كدماء المسلمين.
ولكن الذي يظهر لنا أن الكلام ابتداء منصب على قتل المؤمن. {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ}.. ثم بيان للحالات المتنوعة التي يكون فيها القتيل مؤمناً. وإذا كان قد نص في الحالة الثانية فقال: {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} فقد كان هذا الاحتراز مرة أخرى بسبب ملابسة أنه من قوم عدو. ويؤيد هذا الفهم النص على تحرير رقبة مؤمنة في هذه الحالة الثالثة. مما يوحي بأن القتيل مؤمن فأعتقت رقبة مؤمنة تعويضاً عنه. وإلا لكفى عتق رقبة إطلاقاً دون شرط الإيمان..
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى بعض القتلى من المعاهدين: ولكن لم يرد عتق رقاب مؤمنة بعددهم مما يدل على أن الواجب في هذه الحالة هو الدية. وأن هذا ثبت بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بهذه الآية. وأن الحالات التي تتناولها هذه الآية كلها هي حالات وقوع القتل على مؤمن. سواء كان من قوم مؤمنين في دار الإسلام، أو من قوم محاربين عدو للمسلمين في دار الحرب، أو من قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق.. ميثاق هدنة أو ذمة.. وهذا هو الأظهر في السياق.
ذلك القتل الخطأ. فأما القتل العمد، فهو الكبيرة التي لا ترتكب مع إيمان؛ والتي لا تكفر عنها دية ولا عتق رقبة؛ وإنما يوكل جزاؤها إلى عذاب الله:
{ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}..
إنها جريمة قتل لا لنفس فحسب- بغير حق- ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة العزيزة الحبيبة الكريمة العظيمة، التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم. إنها تنكر للإيمان ذاته وللعقيدة نفسها.
ومن ثم قرنت بالشرك في مواضع كثيرة؛ واتجه بعضهم- ومنهم ابن عباس- إلى أنه لا توبة منها.. ولكن البعض الآخر استند إلى قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.. فرجا للقاتل التائب المغفرة.. وفسر الخلود بأنه الدهر الطويل.